Categories

Saturday 29 September 2012

الوحوش ليس لها وجود لكرستن شون



بالرغم من أن هذه المدونة تتناول بشكل أساسي كتب الأطفال العربية وغير المترجمة، فأنني أخرج عن القاعدة هذه المرة (وربما مرات أخرى في المستقبل-من يعلم؟).

فهذه المقالة تتناول قصة مترجمة بعنوان الوحوش ليس لها لا وجود، من تأليف ورسم كرستن شون* وهي صادرة في نسختها الأصلية عن دار باجازو في زوريخ، سويسرا. القصة المترجمة عن اللغة الألمانية الى العربية، نشرتها دار أصالة في بيروت بدعم من برنامج "أضواء على حقوق النشر" كما أنه يوجد نسخة إنجليزية مترجمة من دار كاين ملر.

القصة تبدأ بهذا الشكل:















عندها، يبدأ الوحش بالشك في وجوده لذا يقرر أن يقنع العالم أن الوحوش فعلاً موجوده، عكس ما يظنه الجميع.
فيقوم بإطلاق ما يمكن إعتباره حملة أعلانية للترويج لفكرة وجود الوحوش:


















كما يقوم بإستعراض قوته:



















كل ذلك دون فائدة حيث يتجاهله الجميع ولا ينجح في إخافة أحد، حتى الأطفال الصغار.
في النهاية، يشعر وحشنا بالإحباط فيقرر الاستسلام والاعتراف بأن الجميع  كان على حق. فيبدأ باقناع نفسه أن الوحوش غير موجودة. وبينما يكرر مع نفسه الفكرة، يظهر وحشاً أخراً فجأة ليعترض هو الأخر بشده على جملة "الوحوش ليس لها وجود"
وينطلق الوحشان، كل منهما سعيداً بالعثور على الأخر، في محاولة جديدة منهما لإقناع العالم أن الوحوش حقاً موجودة:


























هنالك سبب وجيه لإستخدامي هذا العدد الكبير من الرسومات** في تقديم وتلخيص القصة وهو أن الوحوش ليس لها وجود قصة تعتمد في قوامها على النص المرسوم، مع حضور بسيط وموظف بشكل عميق للنص المكتوب. لذا فقد كان من الضروري الالتزام  بروح القصة حتى في حالة نقلها أو تلخيصها، وإلا سيبدو الملخص منقوصاً نوعاً ما.  إذ تلعب الرسومات دوراً أساسياً في سرد أحداث القصة. فعن طريق الرسومات فقط نتعرف على دافع الوحش للشروع في مهتمه وهو رسم يرمز إلى عدم وجود الوحوش على أحد الجدران، كما ويقودنا الرسم أيضا في رحلة الاقناع هذه عبر محاولات الوحش العديدة، ليثبت للعالم حقيقة وجود الوحوش. تقتصد شون بإستخدام النص، الذي يقتصر بشكل أساسي على الحوار الداخلي للوحش وحواره مع الوحش الثاني الذي في نهاية القصة. من أصل 40 صفحة، نجد 20 صفحة خالية من النص تماماً لكنها غنية بالرسوم المعبرة - لقد قمت بعرض البعض منها أعلاه- قد لا تصل شون الى درجة جعل الكتاب خالياً كلياً من النص وأظن أنها أصابت في إختيارها إذ أنني مقتنعة أن الكتاب لم يكن لينجح لو كان خالياً من ذلك النص الرشيق والذي لا يخلو من حس الفكاهة خادماً فكرة القصة ومبتغاها.

لهذا سبب، أجد هذا الكتاب جدير بالإهتمام والمناقشة، كونه نموذجاً واضحاً لأهمية دور الرسام في تأليف قصص الأطفال، وأهمية مشاركتهم في عملية التأليف، فالصورة في هذه القصة جاءت كعماد أساسي بنيت عليه رواية الأحداث. فعندما نقرأ أي قصة مصورة للأطفال، نعتمد بشكل كبير على الرسومات كمصدر مهم للكثير من المعلومات، خاصةً تلك المعلومات المتعلقة بالمظهر الخارجي للشخصيات، وخلفيتها الاجتماعية والبيئة المحيطة بها. وقد تكون المسألة مغايرة في عملية تأليف هذا الكتاب، ف" شون" هي مؤلفة هذه القصة ومن رسمها أيضاً مما جعل الصورة تؤدي وظيفتها بشكل أكبر، وقام بتحرير النص المكتوب توماس منسن.

وعادة ما يدخل الرسامون في المرحلة الثانية من عملية صناعة القصة المصورة، أي المرحلة التي تلي كتابة وتحرير النص، مستفيدين من الفراغات الموجودة في القصة (لا يهم إن تركها الكاتب في النص عن عمد أو لا) كمساحة خلاقة لهم أو مساحة مثلى لترك بصمتهم.  

بالطبع يمكننا تفسير الحيز الكبير للرسومات في هذه القصة بأن المؤلفة هي نفسها الرسامة. لكنني أحب أن أصدق أن إنتاج مثل هذه قصة مثل غير مستحيل حتى عندما يكون المؤلف مختلفاً عن الرسام في حالة تمكن المؤلف والرسام من العمل كفريق واحد، وليس بشكل منفصل كما جرت العادة، وعندما يتبنى الرسام فكرة النص ويحملها وتتاح له الفرصة ليعبر عن ذاته وفلفسته وأسلوبه.

وهناك سبب آخر لعرض هذا العدد من الرسومات وذلك لإطلاعكم على عينة من الرسومات المتقنة لهذه القصة المضحكة. فعندما نرى الرسومات، لا نفاجىء عندما يفشل بطل قصتها في إخافة أحد كما أن الرسامة تمثل بهزلية كبيرة عدم إكتراث الناس بالوحش ومحاولاته للتأثير بهم.  من الناحية التقنية للرسوم، تستخدم الرسامة ألوان ناعمة مخلوطة يغلب عليها البني والأخضر والبيج كما أنها تستخدم خلفيات "نظيفة" خالية من التفاصيل والضجيج البصري. كما نثني على الناشر العربي، أصالة حسن إختياره نوعية الورق (ورق سميك ذو نوعية فاخرة) فكانت النتيجة كتاب جذاب.

ربما تتساءلون عن رسالة هذه القصة التي تؤكد أن الوحوش فعلاً موجودة، عكس ما يقوله الكثير من الأهل لأطفالهم.  سأجبيكم بسؤال: إن لم نجد المخلوقات الخيالية والأحداث غير المتوقعة أو المستحيلة في الأدب، فأين سنجدها إذا؟  بالرغم من بعض الإستثناءات القليلة،  فإننا لا نصادف الأحداث غير المتوقعة بشكل كاف في حياتنا اليومية.

عندما أتذكر القصص التي كنت كنت أعشقها كطفلة (كما أحبها الكثير من الأطفال غيري) والتي كانت مليئة بكائنات غير واقعية وليس لا وجود مثل العمالقة والجنيات والساحرات وأشياء تطير وأبواب لعوالم أخرى نجدها حيث لا نتوقع، أظن أن سبب إنجذابي لهذا النوع من القصص  كان الملل الذي كنت أشعر به في الحياة اليومية . فكانت هذه القصص تطمئنني وتعطيني أملا بوجود مكان ما أكثر إثارة وأجمل.  

كما أنه، صدقوا أو لا تصدقوا، تحتوي القصة على الكثير من الملاحظات الإجتماعية الذكية: مثال أن في بعض الأوقات قد تؤمن الأغلبية بشيء ما ولكنها تكون مخطئة وبالرغم من كونها على خطأ تنجح بإقناعك بعكس ما تعرفه. كما يتضمن الكتاب رسالة إيجابية عن أهمية عدم الإستسلام عندما تحارب لإثبات ما تعرفه أنه حقيقي كما تعبر عن الراحة التي نشعر بها عندما نجد، أخيراً، صديق ورفيق يشبهنا ويفهمنا.

ربما لم تستنتجوا كل هذا. على الأقل، فإن الوحوش ليس لها وجود قصة مسلية ومبنية بشكل جيد فهي لهذا السبب على الأقل تستحق عناء القراءة.  

* توماس منسن هو محرر النص الأصلي المكتوب باللغة الألمانية وليس المؤلف كما هو مذكور على غلاف النسخة العربية من القصة.
** الرسوم المعروضة في المقالة مأخودة من النسخة العربية وبإذن من دار أصالة.

أحب أن أتوجه بشكر خاص للصديق محمد النابلسي الذي قام بمراجعة وتصحيح النسخة العربية من هذه المقالة.

1 comment:

  1. You can find this book at Alif2Yaa! www.alif2yaa.com

    ReplyDelete