Categories

Thursday 12 July 2012

إسمي الحركي فراشة


بالنسبة لي، فإن رواية "إسمي الحركي فراشة" هي بدون منازع أجمل قصة عربية لليافعين قرأتها حتى الآن. الرواية هي من تأليف الكاتبة الفلسطينية أحلام بشارات، وقد صدرت عام 2009 عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، على شكل قصة ذات خمسة فصول مؤلفة من 54 صفحة. 

تروي "إسمي الحركي فراشة" قصة فتاة فلسطينية تبقى بلا اسم في الكتاب. وبالرغم من أننا لا نتعرف على اسمها، إلا أن الكتاب يوفر لنا الفرصة كقراء أن نتعرف عن كثب على ملامح هذه الشخصية، من خلال التفاصيل الجميلة التي تضفي عمقاً وواقعيةً الى أي شخصية أدبية. فهي، كحال الشخصيات الأدبية المميزة، شخصية قريبة إلى القلب، مركبة ولكنها بعيدة عن المثالية، ولا تخلو من الأخطاء أو الشوائب. هي ذكية، حساسة وذات رؤية ثاقبة فيما يتعلق بما يجري حولها، لكنها أيضاً غيورة وتبالغ أحياناً في منافستها لصديقاتها وردات فعلها الدرامية بالإضافة الى كونها، باعترافها الشخصي، "لئيمة":

"فهناك من يصفني باللئيمة أحياناً، ولا أعرف ماذا يقصدون بالكلمة. أحياناً أحس بأن اللؤم يعني الذكاء، ومرات أراهم يستخدمون الكلمة لمعان غير لطيفة، مثل أن يكون اللئيم غير صادق، وأنا لم أكن أبداً كذلك".

تراقب الفتاة العالم من حولها، الأمر الذي يولد لديها مجموعة كبيرة من الأسئلة التي لا تنتهي والتي تحتفظ بها في محفظة خيالية: 

"نعم، لدي محفظة، أخفي فيها أسئلتي التي لا أجد لها جواباً، أو التي أخشى أن أسألها، وأخفي فيها أيضاَ أحلامي غير المعلنة، لأنني لم أتوقع أن يفهم أحد ما معنى أن يكون لي حلم. سيسخرون مني!"

نرى هذه الفتاة وهي تعيش حياتها اليومية داخل أسرتها مع أب يعمل في مستعمرة كمشرف على بساتين من الفاكهة، وأختها الكبيرة زينب التي تبكي في سريرها كل يوم قبل أن تنام، وأختها الصغيرة تالة التي تبدو أحياناً خالية من الهموم وغير مدركةٍ لما يجري حولها، وفي أحيان أخرى نراها كفتاة اضطرت أن تكبر قبل أوانها. تقدم الرواية أيضاً تفاصيل غنية عن حياة الشخصية الرئيسية في المدرسة وعلاقتها مع صديقتيها المفضلتين: ميس، الفتاة الوطنية التي تبدو كأنها تعرف كل شيء، وهيا الفتاة التي تتصف بالسطحية قليلاً، والتي بدأت مؤخراً برسم حاجبيها، ما أثار ريبة معلماتها في المدرسة وأمهات صديقاتها. نرى الفتيات الثلاث يتجادلن بشكل مستمر، وكل واحدة منهن تحاول أن تقنع تقنع الأخريات أنها الأكثر فهماً وخبرة، وكأنهن يتنافسن لدخول عالم الكبار واقتحام هالة السرية التي تكتنف هذا العالم. سنرى بطلتنا أيضاً تقع في حب فتى، وسنكون شهوداً على انكسار قلبها وحزنها الكبير.

إن كنتم تتساءلون عن عنوان الرواية، فهو إشارة إلى قرار البطلة بأن تتبنى اسماً حركياً، وذلك أسوةً بالمقاتلين الثوار. وهكذا تختار "فراشة" اسماً حركياً، ما يدفع صديقاتها للسخرية منها. إلا أن هذا القرار يثير الكثير من التساؤلات: إلى أين تريد أن تطير و تهرب؟ في بداية القصة، نشعر أنها تود أن تهرب من فلسطين. ولكن بعد رحلتها إلى الأردن، نفهم أنها تود أن تطير الى عالم آخر كلياً، إلى فلسطين أخرى. يبدو هذا جلياً في جزء من حديث يجري بينها وبين فراشتها في فصل عنوانه "هل أنا مغفلة جداً؟":

"أيتها الفراشة، كوني بجناحين مثل النوارس، لأنني أعشق أن يصير لنا بحر تحلقين فوقه. كان لفلسطين بحران، واحد منهما أبيض سرق، والأخر ميت سرق، وكانت فيها بحيرة، وأيضاً يا فراشتي، البحيرة سرقت.

دمعة!

أيتها الفراشة، ارتفعي في السماء مثل الطائرة، فوطني ليس ككل بلاد العالم، فهو لا يملك طائرة ولا مطاراً، له فقط معابر وحواجز وشوراع إلتفافية.

دمعة!

أيتها الفراشة، قولي لي: متى سنصير جسداً واحداً، بنتاً وفراشة؟ فننثر الأحلام في الفضاء، ونزرع الأسئلة على التلال، لتزهر شقائق النعمان ووردات النرجس وشتلات الزعتر البري؟

حيرة!

أيتها الفراشة، نامي على صدري لأنام فيك، وأعدك أن نولد ذات يوم، فأنا حالياً أشعر بالنعاس.

أمل!"

تكتب أحلام بشارات قصة غنية بروح الفكاهة، وعلي أن أعترف أن لدي نقطة ضعف فيما يتعلق بالقصص المضحكة، وتحديداً القصص التي هي أيضاً شجاعة وصادقة، كما هو حال هذه القصة. فهي لا تتردد في الكلام، وبشكل غير مبتذل، عن التطورات الجسمانية والنفسية التي تمر بها الفتيات في مرحلة البلوغ، من نمو أثدائهن، وبدء العادة الشهرية، والاهتمام بمظهرهن الخارجي، وطرحهن لتساؤلات حول الجنس:

"في كثير من الأوقات، كنت أشعر بأن عالم زينب مليء بالإسرار، بأنها كانت تشارك مع أمي في بعضها، كأن يؤلمها بطنها فتغطيها أمي بأغطية كثيرة وتصنع لها غلاية من الميرمية والحلبة وترسل أخي عبدالله الى الدكان ليعود ومعه ثلاثة أكياس صفراء داخلها كيس أسود، مرسوم على كل كيس أصفر صورة طفل يبتسم. وكنت أتساءل عن علاقة زينب بالأطفال الذين يبتسمون، فيداخلني خوف كبير، ربما لأن الأطفال لهم علاقة بطريقة ما بالعرض، والعرض شيء خطير كما كانت تتحدث عنه أمي والجميع! وبقيت أحس بهذا الخوف حتى صارت أمي تغطيني بأغطية ثقيلة وتصنع لي الميرامية والحلبة."


خلقت هذه الصراحة والمباشرة بعض المشاكل للكاتبة ومؤسسة تامر التي قامت بنشر القصة عندما صدر قرار في إحدى المناطق التربوية في فلسطين بمنع هذه القصة في مدارسها بسبب أحد المقاطع حيث تحاول مدرسة العلوم أن تشرح لطالبتها الفتيات عن التناسل البشري وأن تجيب عن الأسئلة المحرجة التي تتلقاها من طالباتها الجريئات.

لقد نجحت أحلام بشارات في مهمة في غاية الصعوبة، فقد تمكنت من كتابة قصة تنقل لنا بشكل حي الحياة الشخصية لفتاة فلسطينية شابة، مبتعدةً (إلى حد كبير) عن الشعارات الرنانة والمبالغة. فرواية "إسمي الحركي فراشة" هي قصة هذه الفتاة وليست قصة عن الاحتلال الإسرائيلي بشكل أساسي. من الطبيعي أن يترك  الاحتلال الإسرائيلي بصماته في حياة بطلتنا والمجتمع الذي تعيش فيه، فهناك المعضلة الأخلاقية التي يواجهها البعض عندما يضطرون للعمل في مستعمرات إسرائيلية لكي يوفروا لقمة العيش لأُسرهم، بينما تلاحق الشائعات آخرين من أبرز شخصيات المجتمع بأنهم عملاء للإسرائيليين، وهناك الشباب الذين إما يحكم عليهم بالسجن لمدة مائة عام أو يغيبهم الموت قبل أوانهم.

للأسف، لا ترتقي رسومات الكتاب التي قدمها بشار الحروب لمستواه العام، فهذه الرسومات المائية لا تدل على مهارة كبيرة وتشبه بقع الحبر التي يتضمنها اختبار رورشاك للتحليل النفسي، كما أن سوء الطباعة لا يسمح لنا برؤية تفاصيل هذه الرسومات. وهذا الأمر مؤسفٌ للغاية، فأنا لم أجد أن الكتاب كان بحاجة إلى هذا العدد من الرسومات أساساً، وكل ما كان بحاجة إليه هو غلاف أكثر جاذبية ومستوى طباعة أفضل.




No comments:

Post a Comment